إنَّ آيات سورة الحشر هي من أروع الآيات القرآنية ونزلت لأناس متعمقين يقول سبحانه كما في الأحاديث قال تعالى:
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..)(الحشر/21).
القرآن هو فيض إلهي نازل من مقام الإطلاق فمن المستحيل أن يستطيع الجبل أن يتحمله، وهذه (لو) تستعمل في اللغة العربية حتى في المُحالات، فتقول لو كان هذا الكوب الصغير يستوعب لِتراً من الماء ، لو كان فلانٌ(الذي كان يعيش قبل قرن) موجوداً الآن!! ولهذا يقول
(..وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر/21).
فالإنسان هو الذي يتحمَّل هذا الثقل ولكن بشرط وهو:
(قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً*نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(المزمل/5:2).
والمراد من الثقل ليس الثقل المادي الحسي بل الوزانة و الرفعة فالقرآن وزين ورفيع المنزلة.
فلنرجع إلى آية الحشر، وهاهنا يتوجَّه سؤال وهو:
لماذا لا يمكن أن ينزل القرآن على جبل؟
الجواب:
لأنَّه كلام الله . ومن هو الله ؟؟
الجواب:
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ..)(الحشر/23).
والآية قد عدَّدت أهم الصفات الإلهية يقول سبحانه:
(هُوَ اللَّهُ الَّذِيلاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(الحشر/24:22).
وبالفعل قد تجلَّى الرب لا اللهإلى الجبل فجعله دكّاً وخر موسى صعقاً. فموسى لم يصل إلى مقام الرسول ولم يستوعب كلام الله المطلق
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..)(البقرة/253).
فالفيض الإلهي تام وفوق التماميّة لأنَّ الله
(دائم الفضل على البرية وباسط اليدين بالعطية)
ولكن ينبغي أن يتوفَّر الاستعداد وقابلية لقبول الفيض الإلهي، وتلك القابلية إنَّما وصلت إلى مستواها الكامل حينما بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالمبعث على حد تعبير الإمام إنّما هو استنزال الفيض أي أنَّ الرسول بعد وصوله إلى مقام العبودية تمكَّن من أن يكتسب الفيوضات الإلهية، فالشأن كل الشأن للعبودية، يقول سبحانه وتعالى:
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)(الفرقان/1).
(وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة/23).
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَّهُ عِوَجَا)(الكهف/1).
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)(الحديد/9).
وكذلك بالنسبة إلى الإسراء و المعراج قال تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الإسراء/1).
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى*فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى*مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى*أَ فَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى*وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى*عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)(النجم/15:
.
والجدير بالذكر أنَّه في ليلة المعراج لما قيل صلى الله عليه وآله وسلم سل ما تبتغيه من السعادات : قال صلى الله عليه وآله وسلم:
"أضفنى اليك بالعبودية يا رب"
فنزل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ..
ونعم ما قال الشيخ عبد الله الانصارى: "للمعراج سـيران:
1-أرضي (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وقد ذكر في سورة الإسراء. 2-سماوي (من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى) وقد ذكر في سورة النجم.
سورة الإسـراء:يبدأ بالتسبيح ويقول:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..)
والتسبيح هو التنزيه فكلُّ منزه عن عالم الطبيعة يمكنه أن يصل إلى هذا المقام.
حيث أن عالم الملك هو مظهر صفات الله وعالم الملكوت هو عالم التجرد والتنزيه جاء في القرآن
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ..)(الملك/1).
و (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ..)(يس/83).
فمن أراد أن ينطلق من عالم الطبيعة ينبغي أن يسبح الله ويصير عبداً له ...
فإذاً مبدأ الإسراء والمعراج هو العبودية الخالصة.فهو صلى الله عليه وآله وسلم كعبد عرج لا كرسول..ولا يخفى أن قوله بعبده يدل على أنَّ الإسراء كان بالروح والجسد لا بالروح فحسب ولا في المنام كما تصور البعض، وقوله بعبده حيث أن الضمير غائب يدل على أن العبد حيث ارتباطه بالغيب أسري به لا عبد الرزاق ولا عبد الرحيم ولا... بالعبد المرتبط بالهوية الغيبية ولهذا يقول فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.
المبحث الثاني: حقيقة نزول القرآن
الإنزال الدفعي والتنزيل التدريجي
قال تعالى:
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(القدر/1).
المقصود من الضمير (هـ) هو القرآن الكريم وعدم التصريح به يدل على عظمته.. وهو إشارة إلى القرآن العلمي في السر المكنون حيث كان متحدا مع مقام الذات الإلهية فظهر في كسوة العبارات والألفاظ.
كيف أنزل الله سبحانه القرآن كله في ليلة واحدة وهي ليلة القدر؟
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ..)(البقرة/185).
والظاهر من الآية أنَّ القرآن كلَّه قد أُنزل في شهر رمضان، ونحن نعلم أنَّ الآيات كانت تنزل ضمن مناسبات وأحداث استمرت في 22 أو 23 سنة، فكيف يمكننا الجمع بينهما؟
وأيضاً هناك مشكلة ثانية وهي إنَّ أول نزوله في شهر رمضان ينافي المبعث الشريف حيث نزلت أوَّل سورة في 27 من شهر رجب أي قبل شهر من حلول شهر رمضان.
الإنزال الدفـعي والتـدريجي :
الظاهر أنَّ التنزيل يدلُّ على التدريجية والإنزال على الدفعيَّة وهذا ما تدلُّ عليه أكثر موارد استعمال الكلمتين في مجال نزول القرآن الكريم وإن كان يستعمل الإنزال بمعنى التنزيل في بعض الأحيان.
وإليك الآيات الواردة في نزول القرآن :منها:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ..)
لماذا نزل القرآن ليلاً ؟
لأنَّ منشأ البركات هو الليل: فصلاة الليل لها أهميَّة عظمى حيث أنَّها أرضية كبيرة لنزول الوحي على قلب محمَّد صلى الله عليه وآله ولهذا يقول سبحانه:
(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً)(المزمل/6).
لماذا؟
(إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً)(المزمل/7).
والمعراج كان في الليل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً..)
وكذلك الموعد الإلهي مع موسى كان في الليل
(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ..)(الأعراف/142).
وهناك أهميَّة بالغة للَّيالي العشر
(وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)(الفجر/1،2).
فإلى هنا قد اتضح لنا شهر نزول القرآن وأنّه كان في الليل وأنَّه في ليلة وحيث يقول سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)ومن ناحية أخرى ليلةُ القدر واقعةٌ في شهر رمضان المبارك حيث يقول: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ..) وأمّا النصف من شهر شعبان فقد نُزِّل منزلةَ ليلة القدر ليس إلاّ.
الشواهد على النزول التدريجي للقران:
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) (الإسراء/106).
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)(الفرقان/32).
وكانت الآيات القرآنيَّة تنزل على حسب المناسبات. لى تعليق الله فى قرآنه الكريم يقول ( انا انزلناه فى ليلة القدر) فكيف يكون اول النزول فى27 رجب الموضوع يحتاج تبيان وبحث وللمجتهد اجران0