نحو تفسير اجتماعي للقرآن الكريم

.......التفسيـر والتأويـل.......


التفسير في اللغة: البيان والكشف... فتفسير الكلام -سواء كان قرآن أو غيره- معناه الكشف عن مدلول الكلام.... وبيان المعنى الذي يشير إليه اللفظ....

ويرى الأصوليون: أن ذكر المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ لا يكون تفسيراً..... وإنما التفسير إظهار المعنى الخفيّ لا غيره...... وهو هنا –اي التفسير- قد يتشابه مع التأويل.....

هناك تفسير هام يقدمه "الشهيد الصدر" والإمام "محمد عبده" ويمنحانه اهتماما خاصا ويركّزا عليه.... إذ يعمد "الشهيد الصدر" والشيخ "محمد عبده" الى تقسيم التفسير إلى قسمين:

الأول: تفسير اللفظ..... والثاني: تفسير المعنى.....

وتفسير اللفظ: هو بيان معنى اللفظ لغةًَ..... أما تفسير المعنى: هو تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنى.......

مثال لتوضيح ذلك:

ففي قوله تعالى: "وأنزلنا الحديد..."... غاية تفسير اللفظ أن نشرح معنى كلمة "النزول" لغةً.... لنعرف أنها تستبطن معنى الهبوط من جهة عالية إلى جهة أدنى..... لكن تحديد هذا المعنى اللغوي لهذه المفردة لا يعطينا الفهم الكامل للآية.....

فنحن نريد أن نفهم حقيقية هذا الانزال.... ونوع تلك الجهة التي (هبط) منها الحديد: هل هي جهة مادية أو معنوية؟.... وهذا هو تفسير المعنى..... إذن القسم الثاني من التفسير والذي يسمّى "تفسير المعنى" هو المراد بـ"التأويل" تماماً....

ولا بدّ من ذكر بعض الاتجاهات التي ظهرت لبيان معنى التأويل.... ويمكن تصنيفها في اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول: يذهب إلى القول: بالترادف والتساوي بين التفسير والتأويل.... فالتأويل هو التفسير ولا فرق بينهما.... وهذا هو الاتجاه العام السائد لدى قدماء المفسرين.....

الاتجاه الثاني: يذهب إلى القول: بأنّ التأويل يخالف التفسير.... وهذا هو الاتجاه السائد عند المحدثين..... ويرى هذا الاتجاه أن هناك ثلاثة فروق بين معنى التفسير ومعنى التأويل:

1-أنّ التفسير يخالف التأويل في العموم والخصوص.... فالتأويل يصدق على كل كلام له معنى ظاهر.... ثم يُحمل على خلاف الظاهر.... فهذا العمل هو التأويل..... أما التفسير: فهو أعمّ لأنه بيان مدلول اللفظ مطلقاً.....

2-انّ التفسير هو القطع بأنّ مراد الله كذا.... اما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات من دون قطع....

3-انّ التفسير هو بيان مدلول اللفظ اعتماداً على دليل شرعي..... والتأويل هو بيان مدلول اللفظ اعتماداً على دليل عقلي......

نهاية: انّ معنى التأويل هو ما أطلق عليه اسم "تفسير المعنى"..... لأن التأويل إنما جاء في القرآن بمعنى ما يؤول إليه الشيء لا بمعنى التفسير..... وقد استخدم بهذا المعنى للدلالة على تفسير المعنى لا تفسير اللفظ.... أي على تجسيد المعنى العام في صورة ذهنية معينة.....